شبح الحرية - هل تتفق ام تعارض ؟
-
ماذا إن حظينا بفرصة لنبدأ حياة جديدة؟
في كتابه les Jeux Sont Faits جان بول سارتر يعرض فكرة " البدء من جديد" في نفس الحياة رغم القرارات التي إتخذناها في الماضي. رغم أننا نتمتع بالإرادة الحرة هل نقدر على تغيير الطريق الذي صنعناه بأنفسنا بالإضافة إلى حمل المسؤولية الذي يأتي مع قرارات الماضي، أم هل أنَ نتائج أفعالنا من الماضي تتحكم بإرادتنا؟
هذا الكتاب يحكي قصة إمرأة إسمها إيف ورجل إسمه بيار. تقابلا في حديقة بعد موتهما بقليل. في هذه القصة لايزال الأموات يعيشون بيننا كأشباح، يروننا لكننا لا نراهم. عالم الأموات بالطبع هو مكان مكتظ، لأنه يحتوي على جميع الناس عبر العصور.
كل من إيف و بيار مات بسبب الخيانة. إيف مريضة جدا، فزوجها أندري يسممها ليس فقط بسبب رغبته في أن يرثها بل لأنه يريد أن يتزوج أختها الصغرى لوسات ليحصل على مهرها. كانت لوسات تتألم لمرض أختها، لكن رغم ذلك واصل أندري تسميمها إلى أن ماتت.
بيار هو قائد المقاومة التي أرادت الإطاحة بالوصيَ. يقابل رفاقه بعد أن خططو لثورة كانت ستبدأ في صباح اليوم الموالي. عندما عاد بيار إلى بيته إعترف أحد زملائه لوسيان بأنه تم القبض عليه من طرف الجيش و قد أخبرهم بالخطة كاملة. كان يطلب منه العفو. إتهمه بيار بالخيانة فأطلق لوسيان النارعليه و أرداه قتيلا.
بعد أن ماتا ،إكتشف إيف و بيار أنهما غير مرئيين للناس الذين حاولا التواصل معهم. فقد أصبحا شبحين. كانا يفكران بمأساة ماضيهما. حاولت إيف أن توقف إغراء زوجها السابق لأختها الصغيرة لوسات، و حاول بيارأن يوقف الثورة، لأنه يعلم بأن الجيش يعرف الخطة. لم يمضي وقت طويل قبل أن يدركا بأن لا سلطة لهما ولا يملكان القدرة على تغيير الوضع. لن يستطيعا أن يكونا غيرمتفرَجين. لذا هناك الكثير من عدم الحرية في حريتهما.
تقاسم كل من إيف و بيار قصصهما في الحديقة و أصبحا واعيان بما يربطهما من حب، لكن كأشباح لا يستطيعان أن يشعرا ببعضهما البعض.
بعد القليل من الوقت إتضح أنه هناك خطأ. إتضح أنَ إيف و بيار مقدران لبعضهما البعض. كان يجب أن يتقابلا عندما كانا على قيد الحياة، لكن بسبب الظروف لم يحدث هذا. لذا أتيحت لهما فرصة ثانية ليعودا إلى الحياة ثانية، ومنحا يوما واحدا ليثبتا حبهما لبعضهما. إن نجحا تتسنى لهم فرصة البقاء و بناء حياة جديدة مع بعضهما البعض.
رغم أن بيار و إيف منجذبان إلى بعضهما البعض إلا أنهما يعطيان الأولوية لشؤونهما الخاصة. خلقا الكثير من الإرتباك لدى الأحياء لأنهم لم يستطيعو تحمَل ما أخبراهم به بناء على ما رأياه عندما كانا ميتين. لم يصدقهما أحد. وعندما حاولا أن يثبتا الحب لبعضهما لم يستطيعا فصل نفسيهما عن الحياة التي عاشاها في السابق و للأسف ماتا و أصبحا شبحين من جديد.
إذا ماهو مدى حريتنا؟
هل من الممكن أن تكون الحرية مجرد وهم؟
تبدأ حياتنا كاللَوحة البيضاء و الأمر يعتمد علينا لملئها. نبدأ بوصل أنفسنا بمحيطنا و نحدَد ذواتنا و قيمنا. نبني علاقات و نتحمل مسؤوليات، لكن كلما زاد تملَكنا أشياء في هذا العالم، يتملَكنا العالم أكثر.
نعم نملك الخيار في ما نقوم به، لكن ستلقى تبعات خياراتنا صدى بين أنفسنا و محيطنا دائما.
إن تجاهل إيف و بيار ماضيهما لكان بإمكانهما التركيز على حبهما. لكن ما أزهر بينهما في إنعزالهما لم يكن ذا قيمة عندما عادا إلى مآسي حياتيهما. كانت لهما الفرصة لمنع المأساة التي كانت تحدث لأحبتهما. لذا هل سيقدران على تحمل تبعات أفعالهما و التضحية بأحبتهما من أجل سبب أناني؟ "لا" بالطبع.
لذا حسب سارتر، حرية الإختيار حقيقة. لكننا لا نزال عالقين في النتائج الخارجة عن سيطرتنا والتي لا يمكن فصلها عن الطريق الذي نتبعه. بعبارة أخرى، الطريق يحدد إرادتنا و مع الحرية المطلقة تأتي المسؤولية المطلقة.
حتى إن حظينا بفرصة لنبدأ من جديد، من المستحيل أن نتخلى عما ترتَب علينا. نحن بطبعنا منشغلون بمحيطنا وهوالذي يعطي لحياتنا معنى، يجعلنا دمى. لذلك نحن أحرار في أن نبتعد عن أحبتنا لكننا نسحب في أغلب الأحيان عندما يقعون في مأزق.
يعرض سارتر أوجه عديدة للحرية. يختبر الأموات الحرية ليستطيعو أن يذهبو أينما شاؤو و متى أرادو ذلك، لكنهم أيضا سجناء في دورالمتفرَج. من وجهة النظرهذه، تكمن الحرية في قدرتنا على التَفاعل مع محيطنا و التَأثير على العالم بخياراتنا. من ناحية أخرى، لنا الإرادة الكاملة لكن جزءا كبيرا منها يتم تحديده بإتصالنا مع العالم و بقيمنا و قدرتنا على تحمل العقبات. لنا الخيار دائما لكن مع خياراتنا يأتي عبء المسؤولية.